محمد التطواني أديب مغربي مقيم بهولندا ، من مواليد 1946 بمدينة القصر الكبير المغربية ، تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي بها ، في سنة 1970 هاجر إلى الديار الهولندية، وبعد خمس سنوات من الإقامة بها خاض تجربة تدريس اللغة العربية ، كما خاض تجربة إعلامية إذاعية جهوية ، أسس مع الأديب العراقي "جمال السمرائي" المركز الثقافي العربي بهولندا ، أصدر مجلتي: "الطاحونة" و"الجسر"، عضو مؤسس لجمعية الصحفيين العرب بهولندا، عضو جمعية الأدباء الهولنديين ، عضو اتحاد كتاب المغرب ،يشكل نموذجا للأديب المغربي المغترب ، كان ل (العلم) حوار تناول تجربـته الإعلامية ، التربوية و الإبداعية المتنوعة .
صدرله من الإصدارات القصصية : الحيتان والثعابين – هستيريا البحر – الوجع الأكبر – الاسترخاء معها - سلطانة .
وله في الرواية : مكاشفة تلاحق الزعيم – أحلام فوق النعش – الشجرة المحدودبة – بوح .
وفي الشعر عمل مشترك مع الشاعر الهولندي "جان فن هوك" ( أنا لا أتكلم لغتك ....ولكن أفهم شعورك)
وصدر له في المذكرات : رحلة مع محمد زفزاف .
نص الحوار :
1 – سبق لكم أن قلتم في إحدى حواراتكم " أنا إنسان تقليدي أحب المأثور " كيف تجمعون بين العيش في مجتمع متحرر وبين إيمانكم بالأفكار التقليدية ؟
على مستوى الكتابة أحاول التوليف بين الواقعية المألوفة، وبين ما أومن به من قضايا وأفكار تحترم المتلقي عبر لغة سلسة لا تحيله على القواميس بقدر ما تحيله على نماذج اجتماعية ،واعتبر الكتابة غداءا أجود به على الغير دونما احتكار .
2- من يتصفح تجربتكم القصصية الروائية يقف على قدرتكم الكبيرة على الوصف، ما السر في ذلك ؟؟؟
الكتابة عندي سلاسة لا تكلف فيها ،وحيثما وجدت نفسي المبدعة أحط الرحال تارة يكون المولود قصة وتارة سردا روائيا وما الوصف سوى سمة من سمات المعالجة السردية، وبالمناسبة فقد سبق للأديب المغربي "العربي بن جلون" أن تحدث عن النفس الطويل بكتاباتي ،وعامة فأنا ساعة أكتب أعبر عن غضب بسحاب كثيف داكن اللون دون الخضوع لشروط معينة غير احترام المتلقي وبذلك أغدو تلك الصلة التي تربطه بهمومه ومشاغله الاجتماعية .
3- لماذا اختيار ( لا أتكلم لغتك ...لكن أتفهم شعورك ) كعتبة لديوانكم الوحيد؟؟؟
بمدينة "ايندهوفن" الهولندية دلفت إحدى المقاهي الأدبية ، وكانت المناسبة قراءات شعرية لشاعر يسمى "جان فن هوك" وقد تكررت زيارتي لهذه المقهى لكن هذه المرة من أجل المشاركة حيث شاركت بقصيدة عمودية تفاعل مع جرسها الجمهور الحاضر من دون أن يعرف معناها، وفي مرحلة ثانية قرأ صديقي "جاك فن هوك" ترجمتها بالهولندية بعد أن ترجمتها له ،ولقد أعجب الحضور لهذا النمط الجديد وحاول أن يتكيف معه ،مما دفعني أنا وزميلي الشاعر أن نتفق على عمل مشترك بيننا على أساس( لاأفهم لغتك.... لكن أحس بها) ولقد استطعنا أن نبني وجدانا من العبرات تحت سقف واحد باللغتين العربية والهولندية وتقديمه للقارئ في كتاب/ ديوان مشترك .
وبالمناسبة تحضرني نازلة مشابهة كانت إحدى النوادي الثقافية بمدينة العرائش مسرحا لها، حيث كنت من بين المدعوين المشاركين بقراءات إبداعية ،وحدث أن شاركتنا تنشيط الأمسية شاعرة فرنسية نالت من التجاوب والتفاعل من الجمهور المتلقي ما لم ننله نحن المغاربة المشاركين، ومن تم فإن المشترك الإنساني والحس الابداعي لا جنسيات ولا حدود فاصلة له .
وعن إصدار (لا أتكلم لغتك ....لكن أتفهم شعورك) فقد كانت تجربة ناجحة بكل المقاييس لدرجة نفاذ 2000 نسخة خلال الأسبوع الأول من التوزيع .
4 – لتقريب المتلقي الهولندي من نماذج إبداعية مغربية هل فكرتكم في خوض تجربة الترجمة؟؟؟
بخصوص الترجمة أنا منهمك الآن في ترجمة 1000 وثيقة هولندية تعود للقرون الوسطى، والمستفيدون الأساسيون من ذلك المقيمون العرب من جنسيات مختلفة :عراقية ،سورية مصرية ، ويبقى المتلقي المغربي في ذيل اللائحة ويؤسفني ذلك . وقد قمت بإصدار مجلة "الطاحونة" وجريدة "الجسر" باللغتين العربية والهولندية وإنشاء المركز الثقافي العربي بهولندا بمعية الأديب العراقي جمال السمرائي .
5 – وماذا عن دور المؤسسات الهولندية بخصوص ذلك؟؟؟
مع الأسف الانتاجات الثقافية المغربية المترجمة للهولندية قليلة جدا، وما يوجد بمكتبة "ليدن" من الكتب والدواوين العربية المترجمة هو في عامته ما وافق الذوق الغربي، وقد يتعارض مع قيمنا وعاداتنا مثل خمريات أبي نواس وجملة من الأشعار الماجنة ،،وهم بذلك ينقلون صورة مشوهة لأدبنا العربي عبر ترجمة ضعيفة .
6 – خاض محمد التطواني تجربة نقدية هل من الممكن الحديث عنها ؟؟؟
ككل البدايات طرقت باب النقد من خلال تجربة (قراءات في الأشكال الشعرية المستوردة) خلصت فيها لضرورة تأصيل القصيدة العربية ومعارضة ما يسمى بالقصيدة الحرة، أو النثرية والتي رغم جمالياتها ومقاطعها المسترسلة لا أعتبرها خاضعة للقالب الشعري الذي أومن به .
7 –هل للارتباط بالأمكنة تأثير على أعمالكم الابداعية؟؟؟
حقيقة أن أعمالي القصصية و الروائية لا تخلو من ذكر أماكن تركت هوى في نفسي كالقصر الكبير، وأصيلا حيث ترعرعت ثم سلا القنيطرة ،وهي سمة أجدها جد طبيعية إذ لا يمكن فصل الكاتب عن المناخات التي أمدته بشحنة الإبداع على مستوى المخزون، وتبقى الديار الهولندية مدرستي على مستوى الأخلاق والتعامل والأدب ففيها تفجرت مواهبي الأولى مذ كنت أكتب بجريدة "العرب" اللندنية التي كان يديرها الصديق المرحوم "أحمد الهوني" وبها واصلت مسيرتي على مستوى الكتابة و العمل الإذاعي حيث عملت طيلة 5 سنوات كمننتج ومذيع، وشخصيا أعتبر تجربة الهجرة بهولندا مدرسة أعطت رجلا اسمه محمد التطواني بالرغم من اعتقادي أحيانا كوني بخارا لعبت به الرياح !!
8- وماذا عن تجربة تدريس اللغة العربية بهولندا ؟؟
نعلم جميعا أن جل المهاجرين بهولندا من أصول ريفية أمازيغية ومن تم كان تدريس اللغة العربية بصعوبة مزدوجة ما دامت لغة التواصل اليومية بين هؤلاء هي الأمازيغية اللهجة الأم ،أو الهولندية لغة بلد الاقامة.
وأعتبر تدريس العربية رسالة ومسؤولية ما دامت هذه اللغة ذات ارتباط وثيق بالهوية الدينية ألإسلامية ومن أجل ذلك استفدت من تكوين بيداغوجي لمدة ثلاث سنوات بإحدى المعاهد الهولندية التربوية .
9 – لم تعد لأدب المهجر تلك الحمولة التي اكتسبها الرواد مثل ميخائيل نعيمة، وجبران خليل جبران وغيرهما لماذا ؟؟
أستحضر أنه بمناسبة الاحتفاء بي بمدينة القصر الكبير تفضل الشاعر الأديب الشريف مصطفى الطريبق بمقارنتي بإيليا وجبران ، ولم يوافقه الأديب المغربي العربي بن جلون الرأي حيث قال : التطواني لم يهاجر ، فإن هاجر بالجسد فهو لم يهاجر بالروح.
واليوم ومع ثورة وسائط الاتصال وتنوعها وسرعتها لم يعد لمدلول الهجرة تلك الحمولة التي اكتسبها في الماضي ، حقيقة أن الهجرة نعمة بداخلها نقمة زلزلت التقاليد والعادات ..
10- كيف يقيم محمد التطواني تجربته المعيشية الحياتية بمجتمعين على طرفي نقيض؟
فعلا ،، من طبيعة المغربي حرارة الترحيب وعادة ما يشرع في البوح من دون أن تطلب منه ذلك ، إنها صورة لتلك العلاقات الدافئة الأصيلة النابعة من تقاليد وأعراف موروثة تفضي لتكافل اجتماعي قلما نعثر عليه بالمجتمع الهولندي الذي من سماته الحذر والتكتم وبرودة العلاقات .
أذكر أن وزيرا مغربيا للثقافة زارنا بهولندا من أجل موعد ثقافي مغربي هناك ، وكعادتي سارعت لحضوره ، وقد تفاجأت للحشد الكبير من المرافقين والأمنيين ، وارتفاع أثمان الدخول لقاعة الأمسية الثقافية ، وما يرافق ذلك من مظاهر فلكلورية لا تعكس الوجه الحقيقي للثقافة المغربية مما اضطرني للعودة من حيث أتيت آسفا متحسرا فالهولنديين الذي ألفوا واعتادوا السير جنبا إلى جنب مع ملكتهم ليسوا في حاجة لهذه الصور التي تنفر الآخر منا ولا تقربنا اليه .
11- وماذا عن مدينة القصر الكبير مدينة المولد والنشأة ؟؟
في الماضي كانت مدينة القصر الكبير وكأنها قطعة من قطع الأندلس شبيهة بغرناطة أو اشبيلية لحدائقها ورونقها ، أما اليوم فقد اندثر كل ذلك وكأن اللعنة حلت بها ، فكثرت الأوساخ والأوحال والعربات مما يضطرنا إلى الاحتماء بفضاء المقاهي فرارا من هذه المشاهد ويمكنني القول : ( تبخر القصر وبقي الغبار ).
12- وما عن المشهد الثقافي بهذه المدينة ؟؟
من حسنات هذه المدينة أنها تجمع نماذج ثقافية متنوعة بأبعاد وطنية من تشكيل ، موسيقي قصة ، شعر ، رواية ، وهي بذلك تحقق اكتفاءا ثقافيا ذاتيا ، لكن وبكل أسف لم تجد هذه الاسماء من يأخذ بيدها لأن السوق الثقافة عندنا يرتكز على العلائقية والولاءات وقد عانيت سنوات الستينيات إذ كان من العسير أن تنشر لك الصحف والمجلات إن لم تكن متحزبا .
13 – وماذا عن دور المثقف؟؟
على المثقف أن يكون رمزا للامثقف ، لكن ما تعرفه الساحة الثقافية من صراعات خفية ومعلنة يلغي دور المثقف الرمز ، واعتبر المثقف بالمغرب مطعونا من الخلف لكنه لا يحس بهذه الطعنة التي تأتي في الغالب من زملاء المشهد الثقافي سواء كان محليا او وطنيا .
14- كلمة أخيرة
أشكر ( العلم ) على إتاحة الفرصة وأتمنى أن نساهم جميعا في بناء الصرح الثقافي الوطني بعيدا عن المجاملات خدمة للمصلحة المجتمعية التي تلغي كل ما هو ذاتي .